يكتسب
التدين أهميته من كونه فطرة فطر الله عباده عليها ، وركزها في نفوسهم ،
فما من أحد من العالمين إلا ويجد ذلك من نفسه ،بحيث لا يستطيع العيش بدونه
إلا مع حرج وضنك ، وحاجة الإنسان إلى التدين أعظم من حاجته إلى الطعام
والشراب . ويكتسب التدين أهميته أيضا بالنظر إلى آثاره الإيجابية، على
الفرد والجماعة على حد سواء .
وقد تضافرت الدلائل الشرعية والحسية على أن التدين فطرة فطر الله الناس عليها ، فمن أدلة الكتاب قول الحق سبحانه: {
وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم
قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين }{ فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون } (الروم:30) ومن أدلة السنة ما ثبت في " الصحيحين " عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( كل مولود يولد على الفطرة ) وفي صحيح مسلم عنعياض بن حمار
( قال الله : .. إني خلقت عبادي حنفاء كلهم ، وإنهم أتتهم الشياطين
فاجتالتهم عن دينهم ، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانًا ) . ومعنى " الفطرة " في الآية وفي حديث أبي هريرة هو التوحيد ، ومعنى " الحنفاء " في حديث عياض رضي
الله عنه : أي المائلين عن الشرك إلى التوحيد ، فقد اتفقت أدلة الكتاب
والسنة على أن التدين جِبِلَّةٌ إنسانية خُلقت مع الإنسان ووجدت بوجوده ،
إلا أن تنشئة الإنسان وتربيته - إن كانت على خلاف منهج الله وشرعه - تؤثر
سلبا على جبلة التدين وتنحرف بها عن مسارها الصحيح .
(الأعراف:172) قال جمع من المفسرين في معنى الآية : إن الله أخرج ذرية آدم
من صلبه ، وأمرهم بعبادته وأخذ عليهم الميثاق بذلك ، فهم وإن نسوا قصة
أخذه إلا أن حقيقته باقية في نفوسهم ، وهي ما يعبر عنه القرآن بالفطرة ،
كقوله سبحانه : رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
أما
الشواهد الحسية على ذلك ، فنلمسها من خلال : حاجة الإنسان إلى قوانين
وأخلاق تنظم حياته ، وتضبط سلوكه ، ليتميز بذلك عن سائر الحيوان، فإن
الناس إما أن يعيشوا من غير دين ينظم حياتهم ، ويضبط سلوكهم، وإما أن
يتخذوا لهم من يشرّع لهم دينا ، وإما أن يكونوا على الدين الحق الذي جاءهم
بالبينات والهدى ، فيكونوا بذلك على وفاق مع فطرتهم التي فطروا عليها ،
فتنتظم أمور حياتهم خير انتظام ، فإن اختاروا الأول عاشوا في بهيمية نكراء
يأكل الضعيف منهم القوي ، وكان اختلافهم عن سائر الحيوان بالشكل والصورة
فحسب ، وإن اختاروا الثاني فقد اختاروا العبودية لطائفة من البشر ، تتسلط
عليهم، وتذيقهم من ظلمها سوء العذاب ، فلم يبق إلا أن يحتكموا إلى الدين
الحق ليأخذوا منه شرائعهم ، ويبين لهم ما يحل لهم فيأتوه ، وما يحرم عليهم
فيجتنبوه ، وهنا تكمن قمة السعادة ، ولا سعادة حقيقية للإنسان - أي إنسان
- إلا باتباع الدين الذي ارتضاه الله لعباده بقوله : { إن الدين عند الله الإسلام } (آل عمران: 19) فهو سبب فوزه وسعادته في الدنيا والآخرة ، وفي الإعراض عنه خسران الدنيا والآخرة، قال تعالى: { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } (آل عمران:85).
ومن
الأمور الحسية التي تدل على أن التدين ضرورة إنسانية ، ما يحسه الإنسان في
نفسه من ضعف أمام بعض مظاهر الكون ، كالرياح العاتية ، والبحار الهائجة ،
والزلازل ، والبراكين ، فإن الإنسان مهما عظمت قوته ، وعظم ذكاؤه ، فإنه
يبقى ضعيفا أمام هذه الظواهر التي ابتلى الله بها عباده ، فيعلم الإنسان
من نفسه أن لا قدرة له على دفعها ، أو الاحتراز منها ، فمن هنا عظمت حاجة
الإنسان إلى إله يلجأ إليه ويتوكل عليه . وقد دأب البشر منذ القدم على
تلمس الآلهة لتحميهم من هذه الظواهر ولتدفع عنهم شرها ، فعبد قوم الشمس
ظنا منهم أنها الأقوى ، وعبد آخرون القمر،كما قال تعالى :
{ ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا
عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه
وتعالى عما يشركون } (يونس:18) وقال أيضا : { ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون } (النحل:73) وهكذا
تنقل الإنسان بين مظاهر الطبيعة يعبد بعضها خوفا من البعض الآخر . ولعل
مما يدل على هذه الحقيقة - حقيقة حاجة النفس البشرية إلى إله يحميها ويدفع
الشر عنها - قوله تعالى : { وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا } (الإسراء:67)
فهؤلاء قوم مشركون ، عاينوا الأهوال والمحن ، فانكشفت عنهم شبه الضلال ،
وتساقطت آلهة الزيف ، وتجلت في نفوسهم حقيقة الإله الحق ، فتقربوا إليه ،
وسألوه النجاة والرحمة .
وينضم
إلى تلك الدلائل الشرعية والحسية ، في تقرير هذه القضية ما نشهده واقعاً
من الحياة التعيسة التي يحياها الملحدون ، فهم وإن تنعموا بملذات الدنيا
ونعيمها إلا أنهم فقدوا أغلى ما فيها وهو الإيمان بالله عز وجل ، فهم
يتقلبون في ظلمات الشك وبحار التيه النفسي ، ما يدفع بالكثيرين منهم إلى
التخلص من حياتهم - رغم بذخ عيشهم - وذلك بسبب ما يعيشونه من خواء روحي
مرير ، يجعل من الحياة - مهما توفرت لهم فيها سبل الراحة - أمرا لا يطاق ،
وصدق الله إذ يقول : { ومن أعرض عن ذكري
فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى () قال رب لم حشرتني أعمى وقد
كنت بصيراً () قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى } ( طه : 124 - 126 ) .
وبهذا
يتضح لك - أخي الكريم - مدى التضافر والتآزر بين الأدلة الشرعية والنفسية
والحسية على أهمية التدين في حياة الإنسان ، والأمر إذا عظم شأنه، كثرت
أدلته ، وظهرت حججه ، واستعصت أن يدفعها دافع ، أو ينازع فيها منازع ،
إمعانا في إقامة الحجة على العباد ، وصدق الله العظيم إذ يقول : { والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون }.
التدين أهميته من كونه فطرة فطر الله عباده عليها ، وركزها في نفوسهم ،
فما من أحد من العالمين إلا ويجد ذلك من نفسه ،بحيث لا يستطيع العيش بدونه
إلا مع حرج وضنك ، وحاجة الإنسان إلى التدين أعظم من حاجته إلى الطعام
والشراب . ويكتسب التدين أهميته أيضا بالنظر إلى آثاره الإيجابية، على
الفرد والجماعة على حد سواء .
وقد تضافرت الدلائل الشرعية والحسية على أن التدين فطرة فطر الله الناس عليها ، فمن أدلة الكتاب قول الحق سبحانه: {
وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم
قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين }{ فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون } (الروم:30) ومن أدلة السنة ما ثبت في " الصحيحين " عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( كل مولود يولد على الفطرة ) وفي صحيح مسلم عنعياض بن حمار
( قال الله : .. إني خلقت عبادي حنفاء كلهم ، وإنهم أتتهم الشياطين
فاجتالتهم عن دينهم ، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانًا ) . ومعنى " الفطرة " في الآية وفي حديث أبي هريرة هو التوحيد ، ومعنى " الحنفاء " في حديث عياض رضي
الله عنه : أي المائلين عن الشرك إلى التوحيد ، فقد اتفقت أدلة الكتاب
والسنة على أن التدين جِبِلَّةٌ إنسانية خُلقت مع الإنسان ووجدت بوجوده ،
إلا أن تنشئة الإنسان وتربيته - إن كانت على خلاف منهج الله وشرعه - تؤثر
سلبا على جبلة التدين وتنحرف بها عن مسارها الصحيح .
(الأعراف:172) قال جمع من المفسرين في معنى الآية : إن الله أخرج ذرية آدم
من صلبه ، وأمرهم بعبادته وأخذ عليهم الميثاق بذلك ، فهم وإن نسوا قصة
أخذه إلا أن حقيقته باقية في نفوسهم ، وهي ما يعبر عنه القرآن بالفطرة ،
كقوله سبحانه : رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
أما
الشواهد الحسية على ذلك ، فنلمسها من خلال : حاجة الإنسان إلى قوانين
وأخلاق تنظم حياته ، وتضبط سلوكه ، ليتميز بذلك عن سائر الحيوان، فإن
الناس إما أن يعيشوا من غير دين ينظم حياتهم ، ويضبط سلوكهم، وإما أن
يتخذوا لهم من يشرّع لهم دينا ، وإما أن يكونوا على الدين الحق الذي جاءهم
بالبينات والهدى ، فيكونوا بذلك على وفاق مع فطرتهم التي فطروا عليها ،
فتنتظم أمور حياتهم خير انتظام ، فإن اختاروا الأول عاشوا في بهيمية نكراء
يأكل الضعيف منهم القوي ، وكان اختلافهم عن سائر الحيوان بالشكل والصورة
فحسب ، وإن اختاروا الثاني فقد اختاروا العبودية لطائفة من البشر ، تتسلط
عليهم، وتذيقهم من ظلمها سوء العذاب ، فلم يبق إلا أن يحتكموا إلى الدين
الحق ليأخذوا منه شرائعهم ، ويبين لهم ما يحل لهم فيأتوه ، وما يحرم عليهم
فيجتنبوه ، وهنا تكمن قمة السعادة ، ولا سعادة حقيقية للإنسان - أي إنسان
- إلا باتباع الدين الذي ارتضاه الله لعباده بقوله : { إن الدين عند الله الإسلام } (آل عمران: 19) فهو سبب فوزه وسعادته في الدنيا والآخرة ، وفي الإعراض عنه خسران الدنيا والآخرة، قال تعالى: { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } (آل عمران:85).
ومن
الأمور الحسية التي تدل على أن التدين ضرورة إنسانية ، ما يحسه الإنسان في
نفسه من ضعف أمام بعض مظاهر الكون ، كالرياح العاتية ، والبحار الهائجة ،
والزلازل ، والبراكين ، فإن الإنسان مهما عظمت قوته ، وعظم ذكاؤه ، فإنه
يبقى ضعيفا أمام هذه الظواهر التي ابتلى الله بها عباده ، فيعلم الإنسان
من نفسه أن لا قدرة له على دفعها ، أو الاحتراز منها ، فمن هنا عظمت حاجة
الإنسان إلى إله يلجأ إليه ويتوكل عليه . وقد دأب البشر منذ القدم على
تلمس الآلهة لتحميهم من هذه الظواهر ولتدفع عنهم شرها ، فعبد قوم الشمس
ظنا منهم أنها الأقوى ، وعبد آخرون القمر،كما قال تعالى :
{ ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا
عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه
وتعالى عما يشركون } (يونس:18) وقال أيضا : { ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون } (النحل:73) وهكذا
تنقل الإنسان بين مظاهر الطبيعة يعبد بعضها خوفا من البعض الآخر . ولعل
مما يدل على هذه الحقيقة - حقيقة حاجة النفس البشرية إلى إله يحميها ويدفع
الشر عنها - قوله تعالى : { وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا } (الإسراء:67)
فهؤلاء قوم مشركون ، عاينوا الأهوال والمحن ، فانكشفت عنهم شبه الضلال ،
وتساقطت آلهة الزيف ، وتجلت في نفوسهم حقيقة الإله الحق ، فتقربوا إليه ،
وسألوه النجاة والرحمة .
وينضم
إلى تلك الدلائل الشرعية والحسية ، في تقرير هذه القضية ما نشهده واقعاً
من الحياة التعيسة التي يحياها الملحدون ، فهم وإن تنعموا بملذات الدنيا
ونعيمها إلا أنهم فقدوا أغلى ما فيها وهو الإيمان بالله عز وجل ، فهم
يتقلبون في ظلمات الشك وبحار التيه النفسي ، ما يدفع بالكثيرين منهم إلى
التخلص من حياتهم - رغم بذخ عيشهم - وذلك بسبب ما يعيشونه من خواء روحي
مرير ، يجعل من الحياة - مهما توفرت لهم فيها سبل الراحة - أمرا لا يطاق ،
وصدق الله إذ يقول : { ومن أعرض عن ذكري
فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى () قال رب لم حشرتني أعمى وقد
كنت بصيراً () قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى } ( طه : 124 - 126 ) .
وبهذا
يتضح لك - أخي الكريم - مدى التضافر والتآزر بين الأدلة الشرعية والنفسية
والحسية على أهمية التدين في حياة الإنسان ، والأمر إذا عظم شأنه، كثرت
أدلته ، وظهرت حججه ، واستعصت أن يدفعها دافع ، أو ينازع فيها منازع ،
إمعانا في إقامة الحجة على العباد ، وصدق الله العظيم إذ يقول : { والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون }.